تعظيم مكة المــكرمة
كلمة لشيخنا العلامة / عبدالعزيز بن يحيى البرعي حفظه الله
ألقيت في 3 صفر 1438
*الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد،*
? *فهنا سؤال يقول: س: ما تقولون في الصاروخ الذي أُطلق باتّجاه مكة؟*
?الجـواب
نحن نقرأ كما يقرأ الناس ونسمع كما يسمع الناس، ونسمع إتهاماً من جانب وإنكاراً من جانب آخر والله أعلم أي ذلك كان ،والذي يهمنا ويجب أن نعلمه أن مكة شرفها الله وحرمها الله ما تعرّض لها أحد بسوءٍ إلا قسمه الله وأصبح خصمه رب العالمين لم يعد خصمه إنسان من الناس بل أصبح خصمه ربّ العالمين وقد جائت الأدلة الكثيرة في بيان مكانة مكة وحرمتها في كتاب الله جلّ وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكيف أمّنها الله جل وعلا،
قال الله سبحانه وتعالى:
﴿وَإِذ جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمنًا… ﴾[البقرة: ١٢٥]الآية مثابةً للناس أي مرجعاً ،كما جاء في دعاء نبي الله إبراهيم:﴿ فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إِلَيهِم ﴾[إبراهيم: ٣٧]
فأنت بعيد ولو كان بينك وبين مكة آلاف الكيلوهات تجدُ أن قلبك يذهب إلى هناك وأن قلبك يهوي إليها حبّبها الله عزّوجل إلى قلوب المسلمين، وقال سبحانه وتعالى:﴿وَإِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّ اجعَل هذا بَلَدًا آمِنًا…﴾[البقرة: ١٢٦]
?وفي الآية الأخرى:
﴿وَإِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّ اجعَل هذَا البَلَدَ آمِنًا وَاجنُبني وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنامَ﴾[إبراهيم: ٣٥] إلى أن قال: ﴿رَبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّم ﴾[إبراهيم: ٣٧]
فدعا الله أن يجعل مكة بلداً آمنا،فوافق في دعائة مُراد الله أن الله عز وجل جعله بلداً آمنا
وقال سبحانه:﴿ أَوَلَم نُمَكِّن لَهُم حَرَماً آمِنًا يُجبى إِلَيهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيءٍ﴾[القصص:٥٧]
وقال تعالى: ﴿أَوَلَم يَرَوا أَنّا جَعَلنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَولِهِم..﴾[العنكبوت: ٦٧]
فهذا كله إخبار أن الله جعله بلدا آمنا ،وقال: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدًى لِلعالَمينَ﴾ِ ﴿فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبراهيمَ وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾[آل عمران: 96_٩٧]
عندما جرى من أبي طاهر الجنابي ماجرى من الإعتداء على البيت الحرام سأل أحد أتباعه رجلاً من المسلمين قال أين الأمن؟{وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} قال استمع، المراد ومن دخله فأمّنوه فلوى عُنق فرسه وانصرف ،فهكذا بارك الله فيكم أمّن الله البلد وأمّن من فيه،
وقال سبحانه وتعالى:﴿وَالتّينِ وَالزَّيتونِ وَطُورِ سينينَوَهذَا البَلَدِ الأَمينِ﴾[التين: ١-٣] وقال تعالى:﴿لِإيلافِ قُرَيشٍ إيلافِهِم رِحلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيف ِفَليَعبُدوا رَبَّ هذَا البَيتِ الَّذي أَطعَمَهُم مِن جوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ﴾[قريش: ١-٤]
فهذه الأدلة تدل على أن الله عز وجل جعل مكة بلداً آمنا وأن كل مسلم مُلزم أن يُشارك في تأمينه لا أنه يكون سبباً لإدخال الخوف عليه ولهذا عظّم الله حُرمته قال الله سبحانه وتعالى:﴿وَمَن يُرِد فيهِ بِإِلحادٍ بِظُلمٍ نُذِقهُ مِن عَذابٍ أَليمٍ﴾[الحج: ٢٥] بمجرد الإرادة، جاء في الحديث «إن الله تجاوز لأمتي ماحدّثت به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم» لكن في شأن مكة بمجرد أن يحدّث نفسه بالمعصية ولو كان في مشرق الأرض أو مغربها يحدّث نفسه أنّه سيعصي في مكة أو أنه سيُسيءُ إلى مكة تُكتب عليه زلّته قبل أن يعمل بها سواءٌ كانت معصية صغيرة أو كانت معصية كبيرة،بمجرّد أنّه يريد تعظيماً لهذا البلد العظيم الشريف الكريم،كان عبد الله ابن عمر اذا أغضبه احد مماليكه العبيد وأراد أن يضربه وهو في مكة يخرجه الى الحِل لا يضربه في مكة نعم،تعظيماً لمكة مع أنه معلوم أن عبد الله ابن عمر ما سيعاقبه إلا قد استوجب العقوبة لكن هكذا كان تشديداً على نفسه في هذا الأمر تعظيماً لبيت الله العتيق ولمكة كلها ،ومن أمعن النّظر في الأدلة عرف حرمة مكة بما يحير العقول قال الله عز وجل:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لَيَبلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ تَنالُهُ أَيديكُم وَرِماحُكُم﴾[المائدة: ٩٤]
ذكر الشيخ/وصي الله عبّاس حفظه الله- أنهم أيام ماكانوا يرسّمون حدود مكة قال{كنا نحن نمشي في البر نجد أرانب إن كنّا في الحل تهرب وإذا كنّا في الحرم تأتي إلى جنب أرجلنا}آية من آيات الله ونص الاية تدل على ذلك﴿ تَنالُهُ أَيديكُم﴾يعني تستطيع أن تمسكه بيدك:﴿لَيَبلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ تَنالُهُ أَيديكُم﴾ ما يحتاج أن تطارده إبتلاء من الله سبحانه وتعالى:وقال الله سبحانه وتعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقتُلُوا الصَّيدَ وَأَنتُم حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحكُمُ بِهِ ذَوا عَدلٍ مِنكُم﴾ [المائدة: ٩٥] جراده في مكة إحترمها حمامة إحترمها تقع الجرادة في رأسك إهدأ حتى تطير ليس تعظيماً للجرادة تعظيماً لمكة تمشي والجرادة أو تجلس والجرادة في حجرك دعها حتى تطير لا يُنفّر صيده نعم، وقوله:﴿ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحكُمُ بِهِ ذَوا عَدلٍ مِنكُم هَديًا بالِغَ الكَعبَةِ أَو كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكينَ أَو عَدلُ ذلِكَ صِيامًا لِيَذوقَ وَبالَ أَمرِهِ﴾ هذه تحتاج إلى قُضاة وهناك محاكم متخصصة لهذا،هذا قتل صيداً هذا الصيد لا يقال لك أأتي بمن جنسه لا ماهو ماهو الذي يشبهه من الحيوانات ربما يكون قيمته قليلة جداً لكن في خلقته مثل الجمل المهم عندك جمل؟ماعندي جمل ،طيب كم قيمة الجمل؟ قيمة الجمل كذا وكذا كم يعادل قيمته من البُر؟أخرج إطعام مساكين بقيمة الجمل ما تستطيع!؟يقسم البُر الذي سيشترى بقيمة الجمل يوزع على إطعام مساكين كم قيمة كل مسكين وتصوم بكل إطعام مسكين يوماً، بدل الإطعام فلذلك الحيوان الصغير ستكون مجازاة بشيء هائل ولهذا لابد من قاضيين﴿يَحكُمُ بِهِ ذَوا عَدلٍ مِنكُم ﴾ فهذا يدلّك على عظمة مكة وتحريم مكة،حمامتها محترمة جرادتها محترمة أرنبها محترم غزالها محترم إلى غير ذلك نعم،كل ذلك من تعظيم مكة ومن بيان حرمتها ومنزلتها، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة قام خطيباً كما في حديث أبي شُريح عند البخاري وغيره قام خطيباً في مكة وقال إن الله حرّم مكة ولم يحرّمها الناس وإنما حلّ لي القتال فيها ساعة من نهار فإن ترخّص أحد بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا لهم إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنها عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس،إن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة عمرة فأذن الله له بها ساعة من نهار وعادت حرمتها كما كانت فهذا من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحرمة مكة وبيان منزلتها نعم، وكل من مرّ في التاريخ ممن آذى بيت الله الحرام وآذى مكة حصل لهم من البلاء ومن لم يظهر لنا ماحصل له فقد حصل ومن تأخر فسيجد جزائه يوم القيامة، من ذلك قبيلة جُرهم الذين كانوا من أيام إسماعيل-عليه السلام-فما بعدها حتى أفسدوا فيها وانتشر فيها الزّنا ومنهم إساف ونائلة زنوا في جوف الكعبة فمسخهم الله حجرين فطال الزمن فاتّخذهم الناس إلاهين وعبدوهم من دون الله”إساف ونائلة”من جملة الأصنام، المقصود أن الله جلا جُرهم من مكة ونفاهم وحلّت بدلهم قريش حتى قال قائلهم:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا* *أنيس ولم يسمر بمكة سامرٌ
يعني أن قومهم ذهبوا كلهم ولم يبقى منهم أحد،طردهم الله من مكة سلّط الله عليهم من أبعدهم عن مكة بسبب أنهم أساءوا إليها ،كذلك أبرهة والفيل يوم أن جاء إلى مكة ولم تستطع أي قبيلة على طول الطّريق أن تقف في وجهه ومعه الجيش الكبير ومعه الفيل وعندما وصل إلى جوار مكة خرج إليه سادات قريش ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً فسخر منهم يوم أن جاء عبدالمطلب قال له أريد إبلي وقال له “أنا رب الإبل وللبيت ربُّ يحميها” قال لا يستطيع أحد أن يحول بيني وبين ما أردت أو كلمة نحوها، قال أنت وشأنك،ثم بعد ذلك ارتقت قريش على جبل حراء ينظرون ما يفعل الله بهم على ثقةٍ تامّة أن الله عزّوجل سيدمّر عليهم ولكن مايدرون ما الذي سيجري فجائت الطير الأبابيل
كما قال الله عزّوجل:
﴿أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصحابِ الفيلِأَلَم يَجعَل كَيدَهُم في تَضليلٍوَأَرسَلَ عَلَيهِم طَيرًا أَبابيلَتَرميهِم بِحِجارَةٍ مِن سِجّيلٍفَجَعَلَهُم كَعَصفٍ مَأكولٍ﴾[الفيل: ١-٥]
أهلكهم الله أجمعين وحفظ الله بيته ومن أولئك أبو طاهر الجنابي إبن أبي سعيد الجنابي “زنديق إبن زنديق”الذي استباح مكة يوم التروية فقتل الحجيج وأخذ أموالهم وعاث في مكة فساداً في شعابها وفي أرجائها وفي ساحات الحرم فكان الناس يتعلّقون بأستار الكعبة والسيوف تعمل فيهم يطوفون لعلهم أن يعرضوا عنهم في الطواف فلا يلتفتون إلى ذلك والسيوف تعمل فيهم فقتلوا آلاف من الحجيج واقتلعوا باب الكعبة ورفع أحدهم على الكعبة ليأخذ ميزابها فسقط ومات فتركوا النزاع واقتلعوا الحجر الأسود ودفنوا جماعة من الحجيج في صحن الكعبة ورموا بعدد كبير في بئر زمزم وتركوا البقية وذهبوا بما معهم من أموال الحجيج ولحقهم أمير مكة بأهله وأولاده يتبعهم في الطريق يترجّاهم أن يرجعوا الحجر الأسود فلم يقبل منهم “أبو نجس ليس بأبي طاهر بل هو نجس” فاقتتل معه أمير مكة وقوّته ليست بتلك لكنه قاتل فقتُل أمير مكة وقتل معه عدد كبير من أهل بيته وأخذ ما معه من أموال كان يتجرها لذلك المجرم وبقي الحجر الأسود عندهم عشرين أو واحد وعشرين سنة حتى رجع بإذن الله جلّ وعلا، فالمقصود أن هذه من الحوادث التي تدلّك أن الله عزّوجل وإن أنزل بلاء لكن يُعاقب إلى أولئك بما يُقصم الله به ظهورهم ذهبت دولهم ذهبت ممالكم وبقي البيت العتيق وبقي البيت الحرام، فعليك أيها المسلم أن تعلم وأن تعرف وأن تتحقّق أن بلد الله حرام ما عارضه أحد بسوء إلا قسمه وأصبح خصمه ربّ العالمين سبحانه وتعالى،
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبّ ويرضى وأن يغفر لنا ولكم والحمد لله رب العالمين.
تفريغ الكلمة_ ✏️ بقلم أخوكم/ أبو إبراهيم محمد المقطري :
*الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد،*
? *فهنا سؤال يقول: س: ما تقولون في الصاروخ الذي أُطلق باتّجاه مكة؟*
?الجـواب
نحن نقرأ كما يقرأ الناس ونسمع كما يسمع الناس، ونسمع إتهاماً من جانب وإنكاراً من جانب آخر والله أعلم أي ذلك كان ،والذي يهمنا ويجب أن نعلمه أن مكة شرفها الله وحرمها الله ما تعرّض لها أحد بسوءٍ إلا قسمه الله وأصبح خصمه رب العالمين لم يعد خصمه إنسان من الناس بل أصبح خصمه ربّ العالمين وقد جائت الأدلة الكثيرة في بيان مكانة مكة وحرمتها في كتاب الله جلّ وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكيف أمّنها الله جل وعلا،
قال الله سبحانه وتعالى:
﴿وَإِذ جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمنًا… ﴾[البقرة: ١٢٥]الآية
مثابةً للناس أي مرجعاً ،كما جاء في دعاء نبي الله إبراهيم:﴿ فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إِلَيهِم ﴾[إبراهيم: ٣٧]
فأنت بعيد ولو كان بينك وبين مكة آلاف الكيلوهات تجدُ أن قلبك يذهب إلى هناك وأن قلبك يهوي إليها حبّبها الله عزّوجل إلى قلوب المسلمين،
وقال سبحانه وتعالى:﴿وَإِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّ اجعَل هذا بَلَدًا آمِنًا…﴾[البقرة: ١٢٦]
?وفي الآية الأخرى:
﴿وَإِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّ اجعَل هذَا البَلَدَ آمِنًا وَاجنُبني وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنامَ﴾[إبراهيم: ٣٥] إلى أن قال: ﴿رَبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّم ﴾[إبراهيم: ٣٧]
فدعا الله أن يجعل مكة بلداً آمنا،فوافق في دعائة مُراد الله أن الله عز وجل جعله بلداً آمنا
وقال سبحانه:﴿ أَوَلَم نُمَكِّن لَهُم حَرَماً آمِنًا يُجبى إِلَيهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيءٍ﴾[القصص:٥٧]
وقال تعالى: ﴿أَوَلَم يَرَوا أَنّا جَعَلنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَولِهِم..﴾[العنكبوت: ٦٧]
فهذا كله إخبار أن الله جعله بلدا آمنا ،وقال: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدًى لِلعالَمينَ﴾ِ﴿فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبراهيمَ وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾[آل عمران: 96_٩٧]
عندما جرى من أبي طاهر الجنابي ماجرى من الإعتداء على البيت الحرام سأل أحد أتباعه رجلاً من المسلمين قال أين الأمن؟{وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا} قال استمع، المراد ومن دخله فأمّنوه فلوى عُنق فرسه وانصرف ،فهكذا بارك الله فيكم أمّن الله البلد وأمّن من فيه،
وقال سبحانه وتعالى:﴿وَالتّينِ وَالزَّيتونِ
وَطُورِ سينينَوَهذَا البَلَدِ الأَمينِ﴾[التين: ١-٣] وقال تعالى:﴿لِإيلافِ قُرَيشٍ
إيلافِهِم رِحلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيف
ِفَليَعبُدوا رَبَّ هذَا البَيتِ
الَّذي أَطعَمَهُم مِن جوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ﴾[قريش: ١-٤]
فهذه الأدلة تدل على أن الله عز وجل جعل مكة بلداً آمنا وأن كل مسلم مُلزم أن يُشارك في تأمينه لا أنه يكون سبباً لإدخال الخوف عليه ولهذا عظّم الله حُرمته قال الله سبحانه وتعالى:﴿وَمَن يُرِد فيهِ بِإِلحادٍ بِظُلمٍ نُذِقهُ مِن عَذابٍ أَليمٍ﴾[الحج: ٢٥] بمجرد الإرادة، جاء في الحديث «إن الله تجاوز لأمتي ماحدّثت به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم» لكن في شأن مكة بمجرد أن يحدّث نفسه بالمعصية ولو كان في مشرق الأرض أو مغربها يحدّث نفسه أنّه سيعصي في مكة أو أنه سيُسيءُ إلى مكة تُكتب عليه زلّته قبل أن يعمل بها سواءٌ كانت معصية صغيرة أو كانت معصية كبيرة،بمجرّد أنّه يريد تعظيماً لهذا البلد العظيم الشريف الكريم،كان عبد الله ابن عمر اذا أغضبه احد مماليكه العبيد وأراد أن يضربه وهو في مكة يخرجه الى الحِل لا يضربه في مكة نعم،تعظيماً لمكة مع أنه معلوم أن عبد الله ابن عمر ما سيعاقبه إلا قد استوجب العقوبة لكن هكذا كان تشديداً على نفسه في هذا الأمر تعظيماً لبيت الله العتيق ولمكة كلها ،ومن أمعن النّظر في الأدلة عرف حرمة مكة بما يحير العقول قال الله عز وجل:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لَيَبلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ تَنالُهُ أَيديكُم وَرِماحُكُم﴾[المائدة: ٩٤]
ذكر الشيخ/وصي الله عبّاس حفظه الله- أنهم أيام ماكانوا يرسّمون حدود مكة قال{كنا نحن نمشي في البر نجد أرانب إن كنّا في الحل تهرب وإذا كنّا في الحرم تأتي إلى جنب أرجلنا}آية من آيات الله ونص الاية تدل على ذلك﴿ تَنالُهُ أَيديكُم﴾يعني تستطيع أن تمسكه بيدك:﴿لَيَبلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ تَنالُهُ أَيديكُم﴾ ما يحتاج أن تطارده إبتلاء من الله سبحانه وتعالى:وقال الله سبحانه وتعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقتُلُوا الصَّيدَ وَأَنتُم حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحكُمُ بِهِ ذَوا عَدلٍ مِنكُم﴾ [المائدة: ٩٥] جراده في مكة إحترمها حمامة إحترمها تقع الجرادة في رأسك إهدأ حتى تطير ليس تعظيماً للجرادة تعظيماً لمكة تمشي والجرادة أو تجلس والجرادة في حجرك دعها حتى تطير لا يُنفّر صيده نعم، وقوله:﴿ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحكُمُ بِهِ ذَوا عَدلٍ مِنكُم هَديًا بالِغَ الكَعبَةِ أَو كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكينَ أَو عَدلُ ذلِكَ صِيامًا لِيَذوقَ وَبالَ أَمرِهِ﴾ هذه تحتاج إلى قُضاة وهناك محاكم متخصصة لهذا،هذا قتل صيداً هذا الصيد لا يقال لك أأتي بمن جنسه لا ماهو ماهو الذي يشبهه من الحيوانات ربما يكون قيمته قليلة جداً لكن في خلقته مثل الجمل المهم عندك جمل؟ماعندي جمل ،طيب كم قيمة الجمل؟ قيمة الجمل كذا وكذا كم يعادل قيمته من البُر؟أخرج إطعام مساكين بقيمة الجمل ما تستطيع!؟يقسم البُر الذي سيشترى بقيمة الجمل يوزع على إطعام مساكين كم قيمة كل مسكين وتصوم بكل إطعام مسكين يوماً، بدل الإطعام فلذلك الحيوان الصغير ستكون مجازاة بشيء هائل ولهذا لابد من قاضيين﴿يَحكُمُ بِهِ ذَوا عَدلٍ مِنكُم ﴾ فهذا يدلّك على عظمة مكة وتحريم مكة،حمامتها محترمة جرادتها محترمة أرنبها محترم غزالها محترم إلى غير ذلك نعم،كل ذلك من تعظيم مكة ومن بيان حرمتها ومنزلتها، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة قام خطيباً كما في حديث أبي شُريح عند البخاري وغيره قام خطيباً في مكة وقال إن الله حرّم مكة ولم يحرّمها الناس وإنما حلّ لي القتال فيها ساعة من نهار فإن ترخّص أحد بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا لهم إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنها عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس،إن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة عمرة فأذن الله له بها ساعة من نهار وعادت حرمتها كما كانت فهذا من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحرمة مكة وبيان منزلتها نعم، وكل من مرّ في التاريخ ممن آذى بيت الله الحرام وآذى مكة حصل لهم من البلاء ومن لم يظهر لنا ماحصل له فقد حصل ومن تأخر فسيجد جزائه يوم القيامة، من ذلك قبيلة جُرهم الذين كانوا من أيام إسماعيل-عليه السلام-فما بعدها حتى أفسدوا فيها وانتشر فيها الزّنا ومنهم إساف ونائلة زنوا في جوف الكعبة فمسخهم الله حجرين فطال الزمن فاتّخذهم الناس إلاهين وعبدوهم من دون الله”إساف ونائلة”من جملة الأصنام، المقصود أن الله جلا جُرهم من مكة ونفاهم وحلّت بدلهم قريش حتى قال قائلهم:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا* *أنيس ولم يسمر بمكة سامرٌ
يعني أن قومهم ذهبوا كلهم ولم يبقى منهم أحد،طردهم الله من مكة سلّط الله عليهم من أبعدهم عن مكة بسبب أنهم أساءوا إليها ،كذلك أبرهة والفيل يوم أن جاء إلى مكة ولم تستطع أي قبيلة على طول الطّريق أن تقف في وجهه ومعه الجيش الكبير ومعه الفيل وعندما وصل إلى جوار مكة خرج إليه سادات قريش ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً فسخر منهم يوم أن جاء عبدالمطلب قال له أريد إبلي وقال له “أنا رب الإبل وللبيت ربُّ يحميها” قال لا يستطيع أحد أن يحول بيني وبين ما أردت أو كلمة نحوها، قال أنت وشأنك،ثم بعد ذلك ارتقت قريش على جبل حراء ينظرون ما يفعل الله بهم على ثقةٍ تامّة أن الله عزّوجل سيدمّر عليهم ولكن مايدرون ما الذي سيجري فجائت الطير الأبابيل
كما قال الله عزّوجل:
﴿أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصحابِ الفيلِأَلَم يَجعَل كَيدَهُم في تَضليلٍوَأَرسَلَ عَلَيهِم طَيرًا أَبابيلَتَرميهِم بِحِجارَةٍ مِن سِجّيلٍفَجَعَلَهُم كَعَصفٍ مَأكولٍ﴾[الفيل: ١-٥]
أهلكهم الله أجمعين وحفظ الله بيته ومن أولئك أبو طاهر الجنابي إبن أبي سعيد الجنابي “زنديق إبن زنديق”الذي استباح مكة يوم التروية فقتل الحجيج وأخذ أموالهم وعاث في مكة فساداً في شعابها وفي أرجائها وفي ساحات الحرم فكان الناس يتعلّقون بأستار الكعبة والسيوف تعمل فيهم يطوفون لعلهم أن يعرضوا عنهم في الطواف فلا يلتفتون إلى ذلك والسيوف تعمل فيهم فقتلوا آلاف من الحجيج واقتلعوا باب الكعبة ورفع أحدهم على الكعبة ليأخذ ميزابها فسقط ومات فتركوا النزاع واقتلعوا الحجر الأسود ودفنوا جماعة من الحجيج في صحن الكعبة ورموا بعدد كبير في بئر زمزم وتركوا البقية وذهبوا بما معهم من أموال الحجيج ولحقهم أمير مكة بأهله وأولاده يتبعهم في الطريق يترجّاهم أن يرجعوا الحجر الأسود فلم يقبل منهم “أبو نجس ليس بأبي طاهر بل هو نجس” فاقتتل معه أمير مكة وقوّته ليست بتلك لكنه قاتل فقتُل أمير مكة وقتل معه عدد كبير من أهل بيته وأخذ ما معه من أموال كان يتجرها لذلك المجرم وبقي الحجر الأسود عندهم عشرين أو واحد وعشرين سنة حتى رجع بإذن الله جلّ وعلا، فالمقصود أن هذه من الحوادث التي تدلّك أن الله عزّوجل وإن أنزل بلاء لكن يُعاقب إلى أولئك بما يُقصم الله به ظهورهم ذهبت دولهم ذهبت ممالكم وبقي البيت العتيق وبقي البيت الحرام، فعليك أيها المسلم أن تعلم وأن تعرف وأن تتحقّق أن بلد الله حرام ما عارضه أحد بسوء إلا قسمه وأصبح خصمه ربّ العالمين سبحانه وتعالى،
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبّ ويرضى وأن يغفر لنا ولكم والحمد لله رب العالمين،
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك وفي جهودك